أستراليا والاعتراف بفلسطين- واجب أخلاقي لإنقاذ السلام

المؤلف: فاطمة بايمان10.24.2025
أستراليا والاعتراف بفلسطين- واجب أخلاقي لإنقاذ السلام

منذ ثمانية أشهر مضت، وإسرائيل تشن حربًا ضروسًا، تمارس فيها الإبادة الجماعية وتعمل على تهجير الفلسطينيين قسرًا، وتخريب شامل وتدمير واسع النطاق في غزة تحت ذريعة "الدفاع عن النفس". وفي ظل هذا الوضع المأساوي الذي تتجاهل فيه الحكومة الإسرائيلية بشكل سافر التزاماتها القانونية الدولية بحماية المدنيين ووقف الإبادة الجماعية، يصبح من الضروري للدول ذات التأثير والنفوذ أن تتخذ موقفًا حازمًا وقويًا.

واجب أخلاقي

تتبوأ أستراليا مكانة مرموقة على الساحة العالمية، وتشتهر بقيمها الديمقراطية الراسخة، مما يمنحها موقعًا فريدًا يؤهلها للمساهمة بفعالية في إيجاد حل شامل يؤدي إلى إحلال السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. والخطوة الحاسمة في هذا المسار تتجلى في الاعتراف بدولة فلسطين، وهو واجب أخلاقي وإنساني لا يمكن تجاهله.

في التاسع والعشرين من شهر مايو الماضي، تقدم حزب "الخضر" باقتراح إلى مجلس النواب في البرلمان الأسترالي للتصويت على مسألة حاسمة: هل يجب على أستراليا أن تحذو حذو إسبانيا والنرويج وأيرلندا وسلوفينيا والأغلبية الساحقة من دول العالم في الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ إلا أن هذا الاقتراح لم ينجح في الحصول على الأغلبية اللازمة، حيث صوّت 80 نائبًا ضده.

دأب حزب العمل الأسترالي على اتخاذ موقف معارض لهذه المقترحات، معتبرًا إياها مجرد مناورات سياسية من جانب حزب "الخضر" تهدف إلى تحقيق مكاسب رخيصة والتأثير على الرأي العام الأسترالي.

لكن حتى لو كان هذا صحيحًا، فإن هذه "التسييس" المزعوم لا يقلل من فداحة الحقيقة المرة: الإبادة الجماعية ما زالت مستمرة، والشعب الأسترالي على دراية تامة بذلك. لقد قُتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء، من بينهم أكثر من 15000 طفل بريء.

لقد شهد الأستراليون بأنفسهم هذه الجرائم المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومن بين هذه المآسي المؤلمة صورة الطفلة سدرة حسونة، ذات السبع سنوات، وهي معلقة على جدار وساقاها متفحمتان، بالإضافة إلى لقطات مروعة لرجل يحمل جثة طفل رضيع يبلغ من العمر 18 شهرًا، وقد قُطع رأسه نتيجة قصف إسرائيلي، كما استمعوا إلى الكلمات الأخيرة للطفلة هند رجب، البالغة من العمر ست سنوات، وهي تتوسل طلبًا للمساعدة قبل أن تدهسها الدبابات الإسرائيلية.

رفض رمزي

تنتشر على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو مروعة لأطفال بُترت أطرافهم، وعائلات بأكملها محيت من الوجود. ووفقًا لمرصد حقوق الإنسان الأورومتوسطي، ومقره جنيف، فقد أُلقي أكثر من 70,000 طن من القنابل المميتة على غزة بين شهري أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأبريل/نيسان 2024.

لقد اطلع الأستراليون على التقارير العديدة الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان المرموقة، مثل "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، وحتى "بتسيلم" الإسرائيلية، والتي تصف النظام القائم في إسرائيل بأنه أقرب إلى "الفصل العنصري"، وتصف غزة بأنها "سجن مفتوح في الهواء الطلق".

لقد استمعوا إلى تصريحات وزراء إسرائيليين يدعون صراحة إلى التطهير العرقي واحتلال غزة، واطلعوا على قرار محكمة العدل الدولية بشأن قضية الإبادة الجماعية في غزة، وتابعوا طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وقد أعلنت دول ذات ثقل مثل فرنسا والسويد دعمها الكامل لقرار المحكمة الجنائية الدولية، وأعلنت ألمانيا أنها ستعتقل نتنياهو إذا صدرت مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية، كما صرحت السيناتورة الأميركية إليزابيث وارن بأن هناك أدلة قوية وكافية لإدانة إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية أمام المحاكم الدولية.

كما أكد البروفيسور الأميركي الشهير جون ميرشايمر، الذي زار مركز الدراسات المستقلة في أستراليا، بشكل قاطع أن إسرائيل تمارس الفصل العنصري والتطهير العرقي في معاملتها للفلسطينيين.

وصرح خبراء الأمم المتحدة بأن إسرائيل ارتكبت ما لا يقل عن ثلاثة أعمال إبادة جماعية خلال الأشهر الثمانية الماضية، وصرحت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز بأن "الإبادة الجماعية الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة هي مرحلة تصعيدية لعملية محو استعمارية استيطانية طويلة الأمد".

لذا، فإن اعتراف أستراليا بدولة فلسطينية داخل حدود عام 1967 سيكون بمثابة رفض رمزي وجريء لمحاولة إسرائيل الحالية لإبادة الشعب الفلسطيني. فالاعتراف بدولة فلسطينية لن يعرقل عملية السلام؛ بل سينقذها ويحافظ عليها.

إنقاذ عملية السلام

هذا هو الدافع الذي حرك أيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا للاعتراف بدولة فلسطينية. لم يكن الهدف هو استفزاز إسرائيل، بل كان الهدف الأسمى هو إنقاذ عملية السلام التي تسعى إسرائيل جاهدة لتدميرها.

من هذا المنطلق، يجب على أستراليا أن تعزز المبدأ الأخلاقي الأساسي في قلب هذا الصراع، وهو الحق الثابت في تقرير المصير. فالشعب الفلسطيني، شأنه شأن أي شعب آخر، له الحق الأصيل في أن يحكم نفسه، وأن يعيش بحرية وكرامة على أرضه، وأن يبني مستقبله الزاهر. وهذا الحق مصون بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

ومن خلال الاعتراف بدولة فلسطينية، ستؤكد أستراليا التزامها الراسخ بهذا المبدأ العالمي، وتحبط محاولة إسرائيل لسحق هذه التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني. يجب ألا يصبح بلدنا مكتومًا للأصوات المنادية بالعدالة، أو متفرجًا على المضطهدين الذين ينشدون الحرية.

إن الأستراليين بطبيعتهم يميلون إلى العدالة والوقوف بجانب الحق، وقد تجلى ذلك بوضوح في الدعم الكبير الذي أظهره طلاب الجامعات في جميع أنحاء البلاد للشعب الفلسطيني، والاحتجاجات العارمة على المجازر المروعة التي ترتكب ضد المدنيين الأبرياء في غزة، والدعوات الصادقة إلى وقف هذه الحرب المدمرة، وهذا بالضبط ما فعله أسلافهم عندما استنكروا بشدة الحروب في فيتنام والعراق وأفغانستان. لقد كان الطلاب على حق في كل من هذه الصراعات التي شكلت هُويات الأجيال. فهل يعيد التاريخ نفسه مرة أخرى، ونتجاهله من جديد؟

لقد كان رئيس الوزراء وحزب العمل – حينما كانوا في صفوف المعارضة – من أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية. هذه الروح التي كانت سائدة في الماضي يجب أن تكون حاضرة الآن وهم في السلطة. دع المؤرخين يكتبون عنا أننا وقفنا إلى جانب الحق، وأننا عززنا بجرأة القانون الدولي، وأننا كنا منارة ساطعة وصوتًا مدويًا للحرية.

لقد حان الوقت للاعتراف بفلسطين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة